http://www.almanhaj.com/vb/showthread.php?t=23271&page=9&p=130019&posted=1#post130019
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وآله وجميع المرسلين لا نفرق بين أحد منهم وعلى من عنده علم الكتاب الناصر لمحمد نفس الرحمن وفرجه على العالمين اليماني المبارك وآله والأنصار وأتباع الحق أجمعين إلى يوم الدين ..
وبعد ،
فهذه مشاركة لي في منتديا ت المنهج للشيخ عثمان الخميس أردت من خلالها النصح لهم ، وقد رأى أحد الأخوة الأنصار الأكارم أن أنشرها بين إخوتي وأحبتي في حب ربي الأنصار الأخيار صفوة البشرية وخير البرية ، فأجبته راجيا من الله القبول ،
وهي بالرابط في بداية الصفحة ..
بسم الله الرحمن الرحيم .. رب يسر وأعن ..
الحمد لله رب العالمين ونور السماوات والأرضيين يهدي من يشاء {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: 81] .. والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وجميع المرسلين لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون وعلى أنصار الله ورسوله في كل وقت وحين وتابعيهم إلى يوم الدين وعلى المهدي الهادي إلى صراط مستقيم جاء بقدره لينصر الله به محمد فيميز للناس الذي كانوا فيه يختلفون ولكن أكثر الناس من أتباع الهوى لا يسمعون أويعقلون .. ولوعلم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، ولكنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ..
أما بعد ،
فإن الجهل المركب وتقديس المذاهب والأشخاص هو ما يورث العصبية ويعمي البصيرة .. فصاحب الجهل المركب من أنصاف المتعلمين أو أشباه العلماء يظن أنه يعلم فهو يدافع بكل ما أوتي من قوة لأمر موروث ويهمل هبة العليم وسيسأله عنها ، قال تعالى : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]
ولكأني بأصحاب الهوى يطيرون بين السطور يريدون أن يجدوا ما يريد الجبرتي من هذه المقدمة ، فلا يهمهم ما تقول أو أي دليل تملك ، فأنت مخطئ سلفا .. يبحثون عن العثرات أو شيئا يتعلقون به ليظهروا للقراء الكرام أنهم لا يزالون يواصلون الحوار ، فهم الغالبون في أعينهم ، وكل ما أتى به القوم لا يستحق النظر والتأمل ، فاكتب وناقش واملأ الصفحات واشغل الليل والنهار بدون فائدة ، فهم لا يعقلون كلامك ، لأنهم لا ينظرون للأمر بحيادية أبدا ، لأنكم فرقة من الفرق الضالة التي ستسقط عن جانبي الصراط يوم القيامة ، فهم الناجون أصحاب التوحيد والفضيلة .. وما عند القوم أوهام وأحاديث افتراها الشيطان ، وهجر للقرآن ..
فكيف بالله عليكم تصلون إليهم ..
إن بينكم وبين عقولهم مفاوز وقفار ينقطع فيها أكباد الإبل .. ولا أرى إلا إظهار العيب والعوار عند القوم ، عل في هذه الضربات على رؤسهم ما يوقظ نائمهم وينبه غافلهم .. أما المتعصبون فلا أتعب نفسي معهم ، لأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ولا أدري كيف ورث القوم هذه الإخلاق من غير ملتهم ، ولكنها السنن كما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم ..
وأعجب من قبول الشيئ ونقيضه .. ألا تشكرون الله يا قوم أن بعث لكم من يأخذ بأيديكم وينفض الغبار من على رؤسكم كما يفعل الجبرتي والأنصار الأخيار .. لقد كنا أمثالكم نردد ما نسمع أو نقرأ ونتواصى بالصبر والثبات على مخالفة الفرق التي هجرت كتاب الله وسنة نبيه ، فكان شعارنا التسليم والقبول لما قاله الرسول .. وهو أمر حق فلا إيمان من دون تسليم واستسلام للنبي الكريم عليه وآله الصلاة والتسليم ، ولكننا في حقيقة الأمر كنا نسلم ونستسلم لمرويات لبست لباس السنة ، والفرق جلي وواضح فليس كل مروي سنة حتى يفحص ويمحص ويفتن كما يفتن الذهب على النار ، فهناك علم الرواية وعلم الدراية ، فهما كالجناحان للطائر يسقط على الأرض إذا فقد أحدهما كما سقطتم ولا زلتم تسقطون لأنكم تريدون أن تطيروا بجناح واحد ولا يفعله إلا من تبرأ منه عقله ..
فكل ما في البخاري ومسلم صحيح تلقته الأمة بالتسليم والقبول ، وأنتم تكذبون بذلك على أنفسكم قبل الناس ، وذلك لأن هذه العبارة رددها بعض العلماء ولهج بها بعض المشايخ ، فالإجماع عندكم انعقد على صحة الكتابين .. هل أنتم جادون في هذا الإدعاء الكاذب ، وهل نسيتم تعريف الإجماع حتى نذكركم به .. هل تلقى الدارقطني هذين الكتابين بالتسليم والقبول أم العكس فلم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها في تتبعه ، وكذا الترمذي فقد ذكر أن حديث الجمع بين الصلاتين في المدينة لغير خوف ولا سفر ولا مطر غير معمول به عند أهل العلم ، فمن ياترى أخرج هذا الحديث !! ، وهل تلقى ابن حزم أحاديث البخاري ومسلم بالتسليم والقبول ، وكذا من المتأخرين الألباني فقد صرح بوجود أحاديث ضعيفة في البخاري ومسلم وسلسلة الهدى والنور شاهدة على ذلك ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر ، وإن أردتم المزيد زدناكم ..
لماذا خرق هؤلاء الإجماع الذي ادعيتم ..
والجواب : ليس ثمة إجماع أصلا ..
إذن فما معنى متفق عليه ؟ أليس يقصد به الإجماع ..
كلا ، فالمقصود أن البخاري ومسلم أتفقا على تخريجه ، لا ما يظن الجاهلون من أنصاف المتعلمين ،
وكذا فجمهور أحاديث البخاري ومسلم متلقاة بالقبول من جمهور المحدثين لا من كلهم ..
لذلك كان لزاما علينا الذود عن السنة النبوية بنفي روايات الباطل التي جاءت في الكتابين لا الدفاع عنها بكل غباء ، كما فعل محب العثيمين في حديث :
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» «[صحيح البخاري (1/ 14)]
فقال : هذا الحديث يخص مشركي العرب ومن لم يدفع الجزية من أهل الكتاب ..
سبحان الله ، من هم الناس في الحديث الذين أمر النبي بقتالهم ، وكيف دخل فيهم من لم يدفع الجزية من أهل الكتاب مع أن الحديث يدل على قتالهم حتى يؤمنوا ، بدلالة قوله : فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماؤهم وأموالهم ، فأين أمر الجزية في الحديث يا محب العثيمين ..
ما هذا التفسير بالمخالفة !!
لقد كفرت بهذا الحديث من حيث لا تدري ، فأنت لا تجيز قتال المشركين لأجل كفرهم ، وتقول أن المسلمين اضطروا قتالهم قديما لأن هناك حائل ومانع من وصول الدعوة ، وأن الإسلام لم ينتشر بالسيف والدليل بقاء أهل الكتاب في بلاد الشام ومصر وأزيدك اليمن ..
لقد نسفت هذا الحديث نسفا ، فأنت لا تقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإن فعلوا ذلك فقد عصموا منك أموالهم ودماؤهم ، لأنك لا ترى قتالهم لأجل كفرهم تصديقا لقول الله تعالى : { .. أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، وقوله تعالى : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .. } [البقرة: 256] .. فهم يعصمون منك دماؤهم وأموالهم بالجزية وليس بالإسلام ، والحديث يخالف هذا المعنى الذي ذهبت إليه ..
ستقول الجزية من أهل الكتاب حصرا ، فأقول لك وأين تجد هذا في الحديث المذكور ، فالحديث يوجب طلب الإسلام منهم حصريا ، فإن لم يفعلوا فلم يعصموا منك أموالهم ولا دماؤهم .. حتى في قولك أن هذا الحديث يخص مشركي العرب ، فهل تقاتلهم حتى يؤمنوا فيعصموا أنفسهم وأموالهم منك ، أم أنك لا تقاتلهم لأجل كفرهم لأنه لا إكراه في الدين ..
هل رأيت أن النص في واد وأنت في واد آخر ، فمذهبك مذهب الجمهور الذين قالوا أن الكافر لا يقاتل إلا لدفع حرابته وليس لأجل كفره كما ذهب الشافعي ..
إذن فالحديث المذكور بدلالته غير معمول به ، لأن معناه باطل ..
ولكنك لا زلت تدافع عنه !!
سبحان الله كيف تؤمنون بالنقيضين بل وتقولون كل من عند الله بحجة أن البخاري ومسلم صححا إسنادهما ، ونسيتم أمر المنافقين في زمن الفتنة كيف تظاهروا بالصلاح والنصيحة حتى أضلوا المسلمين وأدخلوهم في الفتنة ومن المؤمنين سماعون لهم ، فهم عدول عند أهل الرواية ، وهم يبيتون غير قول رسول الله فصدوا عن سبيل الله .. هذا الأمر الذي لا تقرون به مع ذكره في كتاب الله !! قال تعالى : {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ .. } [النساء: 81]
وأعجب من فقه المشرف العام حين تدخل معترضا أن رفض هذا الحديث يؤدي بالقياس إلى رفض قوله تعالى : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } [البقرة: 193] ..
فهل هذه الآية تدل على المعنى الذي دل عليه الحديث الآنف الذكر ؟
كلا ،
وإلا لما ذهب الجمهور إلى خلاف هذا المعنى .. فأنتم واقعون في متاهة .. فلفظ الفتنة في الآية الكريمة هي الشرك عندكم ، هكذا هي في كتب التفسير بالمأثور ، وهذا قول ابن عباس فكيف تعدلون عنه ، لذلك الفتنة هي الشرك والكفر ، هذا أحد معاني الفتنة لغة الذي ضحك منه محب العثيمين كثيرا عند ذكره من قبل أحد الأنصار وها أنتم تذهبون إليه ، .. ولكني أقول إن الكذب في الرواية لم يكن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل عن الصحابة أيضا ، وهذا أمر معروف فأغلب مرويات التفسير منقطعة الأسانيد ..
ولو قلنا أن الفتنة هنا هي الشرك لنسفنا مذهبكم الذي تذهبون إليه نسفا ، فالقتال عندها يكون لأجل القضاء على الكفر ليكون الدين خالصا لله وحده لا يعبد معه غيره ، كما صرح بذلك المشرف العام من حيث لا يدري .. وسبحان الله كيف يأمرنا الله تعالى بعدم الإكراه في دخول الدين ، وأنتم تبيحون قتال الناس إذا دانوا بغير الإسلام .. فأين أنتم من قوله تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .. } [البقرة: 256]
طبعا أنتم لا تذهبون إلى هذا المعنى مما يدل دلالة جازمة على عدم معرفتكم للتفسير ، وأنكم ترددون من دون وعي ولا تتعبون أنفسكم بالتدبر حتى لا تخرجوا عن المنهج الذي رسمتموه !!
إذن ما معنى الفتنة في الآية الكريمة ؟
إن الجواب من القرآن الكريم ..
قال تعالى :
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]
فما هي الفتنة التي هي أكبر من القتل ؟
إنها ما كان يمارسه كفار مكة ضد المسلمين من صد عن سبيل الله وكفر به وإخراج المؤمنين من ديارهم وقتالهم حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا ، لذلك كانت هذه الأعمال عند الله أكبر من القتل ..
أتدرون لماذا ؟
لأن الله يجيبكم في نفس الآية الكريمة : {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]..
إنها فتنة الناس عن دينهم بشتى الوسائل حتى يرتدوا لذلك كانت عند الله أكبر من القتل ، وهي الفتنة التي جاء ذكرها في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] .. لذلك نجد المولى تعالى يؤكد على هذا المعنى بقوله : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] .. فهل الفتنة في هذا المقام الشرك ، أم ما كان يمارسه أعداء الله مع المؤمنين ليردوهم عن دينهم ما استطاعوا ..
إذن فالتأويل بهذا المعنى واضح في قوله تعالى : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] .. فالقتال لدفع هذا الضرر الذي سينزل بالمؤمنين لو امتنعوا عن القتال ، فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة بترككم قتالهم ويكون الدين لله ولن يكون الدين لله إذا تركوا القتال لأنهم يريدون أن يردوهم عن دينهم ما استطاعوا والمتأمل في السيرة يعلم ذلك جيدا .. ويدل على هذا المعنى أيضا شطر الآية الآخر : {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] ، تصديقا لقوله تعالى : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [البقرة: 190] ..
وقال تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] .. فكيف نبدأهم بقتال والله يأمرنا ببرهم والقسط إليهم فهو يحب المقسطين ولا يحب المعتدين ، فقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم !!
وكذا أمر الإعراب الذي أقمتم الدنيا ولم تقعدوها لخطأ في الفهم ، فكل المأثور الذي أتيتم به على فضل إعراب القرآن ليتناول إقامة اللسان بتلاوته ، والإعراب عند النحويين : تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفـظا أو تقديرا ..
أي أن الإعراب هو تصحيح النطق بالتلاوة فلا يكسر المرفوع حتى لا يختل المعنى ، وهذا الأمر لم ينكره الأنصار الأخيار ، وما أنكروه عليكم هربتم منه إلى غيره حتى تجدوا مدخلا للنقد ..
الإنكار كان لإعرابكم الآية الكريمة : فهذا فعل وهذا فاعل وذاك مفعول .. إلى آخره مما لا يحتاج إليه في المقام فأنتم لا تخاطبون أعاجم حتى تبينوا لهم الماض من المضارع ، لكنكم تفهمون بالمقلوب وعلى المزاج الذي تهوون ، فالأمر فيه اتباع لما تهوى الأنفس ،
وإلا فالدلالة ليس في الفعل الماض بل في قوله تعالى : {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } [الكهف: 98] ، فخروجهم ياقوم لن يكون بنقبه أو الظهور عليه بل بعد أن يجعله ربي دكا بأجله المعلوم ، وهذا بدوره يدل على أنه لا معنى لنقبه ، وخوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك .. فهو يعلم عليه وآله الصلاة والسلام أن خروجهم يكون بعد تهدمه ، وأن خروجهم شرط من أشراط الساعة الكبرى فكيف يجهل النبي الكريم بُعد أجل خروجهم عن زمانه وأنه من أشراط الساعة الكبرى يا معاشر العقلاء ..
ثم إن الحديث من طريق أبي هريرة وقد كان يجلس إلى كعب الأحبار فيحدثة طرفا مما هو عند أهل الكتاب وهذا قول ابن كثير ، لكنكم تعودون لنفس النقطة ، فسبحان الله .. الحديث عند البخاري فاتق الله يابن كثير فصحيح البخاري صحيح مطلقا -والإجماع منعقد على ذلك كما تتوهمون أو تدلسون به على الناس- والبخاري لم يخطئ إذ رفع الحديث ولم يجعله موقوفا على أبي هريرة إلى آخره مما اقتنعتم به وتريدون حمل الناس عليه ..
وأغرب ما في الأمر دفاعكم عن حديث الدجال الذي فيه أن الله يؤيده بإحياء الموتى .. ثم تقولون لا نطلق عليها معجزة أو كرامة ، مع تصريح ابن عثيمين بأنها آيات .. ولا أدري كيف تفكرون بالهرب من نقض هذا الإفتراء على رسول الله ، وهل اعتراضنا على التسمية يا قوم ..
لا تسموها معجزة كما تشاؤن .. فهل انهيتم المعضلة ورددتم الباطل !!
إن الله لا يؤيد الباطل بإرجاع الروح إلى الجسد ، لكنكم تقولون بلى لا متحان الناس وابتلائهم .. ونقول لكم هل يتحدى الله الباطل بإعادة الروح إلى الجسد ثم يؤيده ، كيف يجتمع النقيضان .. قال تعالى :
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)} [الواقعة: 83 - 87]
أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها !!
قال تعالى : {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: 87] .. هذا تحد واضح للباطل بأنه لا ولن يستطيع ، ولكنكم تلعبون بالألفاظ فتقولون فتنة وهي أكبر فتنة ..
إن هذا ليس موضوع النقاش نعم هي فتنة عظيمة ، ولكن الله لن يؤيد الباطل برد الروح في الجسد بعد أن تحداه ، فكيف يصدق الله الباطل في دعواه .. إن الله يتحدى الباطل أن يعيد الروح في الجسد وأنتم تقولون أن الله سيؤيده فعلا بإعادة الروح في الجسد بعد أن تحداه ليفتن الناس ..
أين أنت يا محب العثيمين لترد على نفسك فقد أنكرت أشد الإنكار أن الله لن يضل عبده ورسوله موسى عليه السلام ، وصدقت .. فما بالك الآن انقلبت رأسا على عقب وتنسب الإضلال لرب العالمين ، فهل يؤيد الله الباطل في دعواه حتى يفتتن المسلمون في دينهم ..
إن الله لا يرضى لعباده الكفر هكذا هو قوله في محكم الآيات البينات .. {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] ..
وقال تعالى : {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء: 27، 28] ..
الله تعالى يريد التوبة لعباده ويعلم أنه خلق الإنسان ضعيفا ، فكيف يقف الله في صف الدجال .. ستقولون إرادة شرعية وتلك إرادة كونية .. فنقول اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، فإن الله لا يكذب نفسه .. {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } [سبأ: 49] ..
فهل ترون الدجال الباطل أم الحق ..
ستقولون بل الباطل ونحن نؤمن كذلك أن الباطل لا يبدئ الخلق ولا يعيده ، فلا يستطيع أن يعيد الروح في الجسد ، ولكنه بتأييد إلهي ، فنقول لكم كيف يؤيد الله الباطل بإعادة الروح في الجسد بعد أن تحداه أن يفعل ذلك .. {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: 87] ..
لقد جعل الله قدرة إعادة الروح إلى الجسد دلالة صدق الإدعاء ، لذلك لا يؤيده الله بذلك لأن الباطل ليس صادقا في دعواه ، ولن يقلب الله الموازيين على المؤمنين ويغير حقائق هذا القرآن العظيم ..
ولقد كان أول تحد بين إبراهيم والذي حاجه في ربه أن قال له ربي الذي يحيي ويميت .. فقد تحداه إبراهيم تحد واضح وصريح لأنه يعلم أنه يمثل الباطل ولن يؤيد الله الباطل بإعادة الروح في الجسد لأن في إعاده الروح بعد خروجها دلالة صدق الدعوى ، وهكذا تحداه إبراهيم أن يعيد الروح بعد خروجها ، وكأني بكم تقولون : ولكن إبراهيم لم يتحده بل أخبره بقدرة الله .. فنقول لكم فلماذا ذهب هذا الطاغوت فأخرج بعض السجناء فقتل أحدهم وأطلق الآخر إذا لم يكن هناك تحد ضمني ،
ولأن إبراهيم يعلم أن الله لن يؤيده بذلك وأنها للحق الذي يدل على الحق تعالى ..
ودليل آخر وهو قوله تعالى :
{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [يونس: 34]
وهذا نفي مطلق عن إمكانية توفر هذه القدرة مع الشركاء الذين اتخذوا من دون الله ، فكيف بالدجال وهو يدعي الألوهية ، هل يمكن أن يحقق الله شيئا نفاه بالإطلاق ، وهنا آية أخرى .. {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40] ..
فهل يفعل الدجال من ذلكم من شيء .. فهل ستجيبون بنعم يفعل ذلك فهل تثبتون ما ينفيه الله ..
أين إيمانكم يا قوم !!
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الحج: 73] .. وقد آمنتم بأكبر من خلق الذباب ، والله ينفي عن الشركاء إمكان فعل الإحياء والإماتة وخلق الذباب حتى لو اجتمعوا له ، فما لكم تفترون على الله ما لا تعلمون فتقولون أن الله يؤيد الباطل حتى يفتن الناس عن دينهم ، والله لا يرضى لعباده الكفر ،
ونقول صدق الله وكذبتم .. فبئس القوم أنتم ، وبئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ..
ومن عجائب فقه محب العثيمين -وليت ابن عثيمين حيا حتى يؤدبه ويعلمه- أن اشتاط غضبا إذ نصحه أحد الأنصار أن يتخلص من مظلمة لأخيه ، لأن الله لن يغفر له حتى يستحلها من أخيه ، فقال : هذا تأل على الله ،
وليته يعلم ما معنى الإيلاء !! إنه اليمين .. قال تعالى : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] .. فهذا في الحلف يا فقيه القوم ، والحديث الذي أوردت يدل على ذلك فالقائل حلف بالله أن لن يغفر الله لفلان ، ولم يحلف أخونا الأنصاري على الله حتى تقفز بهذه العبارات التي لا تعرف معناها ، ثم تنكر علينا استعمال الآيات الكريمات في غير محلها ، فهل أنت مصيب بالاستدلال بهذه الآية الكريمة .. { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] ..
الجواب من القرآن الكريم .. {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ .. } [الزخرف: 31، 32] .. فهل علمت أنك لا تتقي الله في كلامه ..
ثم إنك ابتعدت كثيرا بهذه الأدلة التي ليست في موضعها ، فذاك لم يقترف ذنبا في حق أخيه ، فليس عنده مظلمة ، وأنتم تعلمون يا أصحاب الفضيلة أن للتوبة من المظالم شروط ، منها بين العبد وربه فيقلع عن الظلم ويندم على اقترافه ويعقد العزم على عدم العودة لفعله وشرط بينه وبين من ظلمه من عباد الله فيتسامح منه مظلمته له ، فإذا اكتملت هذه الشروط كنت تائبا من مظلمتك ، وهذا أمر أنتم تعرفونه ، ولكنه اللف والمغالطة ولا أدري كيف اكتسبتم هذه الإخلاق التي ذمها الله في أهل الكتاب .. إنها السنن !!
لتتبعن سنن من كان قبلكم .. ولعل في هذا القدر كفاية وعلى الله الهداية ..
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين