الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
18 - رمضان - 1444 هـ
09 - 04 - 2023 مـ
12:35 مساءً
(بحسب التقويم الرسمي لأم القرى)
[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://albushra-islamia.org./showthread.php?p=412543
_________
تَسْجيلُ مُتابَعَةٍ لِنَزيدَكم بالقصَصِ المُمتِعَةِ وذِكرى للذَّاكِرين ..
سَلامُ الله عَليكم ورحمته وبركاته، مُجَرَّدُ تَعليقٍ مُختَصَر لسائلٍ..
إنَّما تَجري الريح بأمْر نبيّ الله سُليمان حيثُ أصاب، أي حيث يُريد نبيّ الله سُليمان أن يُصَوِّبُها فَتُطيع أمره، ولَم يكُن يُحيط بِمملكة (سَبأ اليمانيّة) عِلمًا حتى تجري بأمرِه حيثُ أصاب، فهذا مُختَصَر الجواب.
وأمَّا إسلام مَلِكة سَبأ: (أن الله هو الذي يَستَحِقّ العبادة). وذلك كونها لم تقتَنِع بِما وجدَت عليه أباها وقومها ولا تعلَم هل هم على الحَقّ أم على الباطِل وليس لديها عِلم تَتَّبعه إلَّا أنَّ عقلها يقول لها أنّ الذي خَلَق مَلكوت السَّماوات والأرض والشمس والقَمر هو الذي يَستحِق العِبادة، ولكنها ليست مِن المُوقنين بَعْد، فعَلِم الله بِما في نَفسها فأراد الله أن تكون مِن المُوقنين فيَهديها، فأوحى الله إلى وزير نبيّ الله سليمان على الطيور (طائر الهُدهد) ليذهَب إلى سَبأ لاستكشاف مملكة سَبأ العُظمى ويَنظُر إلى المَلِكة وقومها ماذا يَعبُدون، فسافر الهُدهد بِضعةَ أيَّام حتّى وصَل إلى مملكة سَبأ، فقام بِدورة استكشافيّة فوجدها أوتيَت مِن كُلِّ شَيءٍ مِن عَتادِ القُوَّة العسكريّة والخَيل المُسوَّمة ورُكام سبائِك الذَّهب الوفير والكثير والقُصور الفاخِرة وجيش مُدَرَّب على فنون القِتال، فنَظَر إليهم الهُدهد في المبارزات التدريبيّة وكيف يَنطَلِقون للقفز بالخيول على الموانِع والتدرُّب لدفعات الجنود المُدَرَّبة على الفُنون القِتاليّة فوجدهم أُولي قُوَّة، وإضافة إلى قوّتهم فهُم كما وَصفوا أنفسهم أُولو عِزَّة وأولو بأسٍ شَديدٍ، ثُمَّ راقَب ما يَعبد قومها فوجدهم يَعبدون الشمس مِن دون الله، ثم دخل القَصر المَلَكيّ ليُراقِب ماذا تَعبُد المَلِكة في مِحرابها المُستَدير ذي الشبابيك المُستَديرة والرَّفيعة، فوجدها تَعبُد الشَّمس مِن دون الله، فهنا غَضب الهُدهد غَضَبًا شديدًا واحتَقَر عُقول قومها وعقلها، وكان يُصدِر إلى المَلِكة أصواتًا لم تفهمها؛ فكُلَّما أرادت أن تنظر إلى الشمس مِن محرابها لِتَخِرّ بعنقها بالسجود فقَط إلى الأمام؛ بالسجود للشمس بِنية العبوديَّة للشمس، ولَكِن الهُدهد الغاضِب مِمَّا تَعبُد مِن دون الله كان يَقِف في الشُّباك المُستَدير الذي يوازي قامتها وأرفع قليلًا فَيُقيم أمام وجهها ليمنعها مِن السُّجود للشمس، فيُصدِر أصواتًا تترى، فَكُلَّما انتقلت إلى شباكٍ ولو مائل عن الشمس قليلًا لتسجُد للشمس فَمِن ثمّ ينتقل فورًا إلى نفس الشُّباك فيُصدِر أصواتًا، فأرادت أن تُخيفه بيدها فلم يَخف ولم يَكتَرِث ولم يتزحزح ثم عمدت إلى شباكٍ آخَر فعمل نفس الحركات وأصدر أصواتًا، ثُمَّ عَلِمَت أن هذا الطّائر غاضِبٌ ويراها وقومها في ضلالٍ مُبينٍ، وأرادت أن تتأكَّد مِن تَصرُّفات الهُدهد فخرجت مِن معبدها فَطار الهُدهد وحَطَّ فوق المعبَد ونَظَر إليها بِصَمتٍ ونظرت إليه بِصَمتٍ، فَمِن ثمّ عادت لتسجُد للشمس لتنظُر هل يعود إلى الشُّباك لمنعها؟ فمُجرَّد ما دخلت المعبَد عاود للوقوف بينها وبين الشَّمس ويُصدِر صوتًا وراء صوتٍ لم تفهمه ولكِنها فَهِمَت فَعَلِمَت أنَّ هذا الطائر معصَّب وغاضِبٌ مِمَّا تَعبُد بغير الحَقّ، ولَكِنَّها لَم تفهم لغته شيئًا وإنَّما مِن خلال حركاته، ثم خرجت مِن المعبَد قبل أن تسجد للشمس فاتّجهت نحو قصرها فخرَج وكان يُحَلِّق في السماء صافًّا أجنحته يُصلي لله ربه أنها لَم تَسجُد للشمس لعَلَّها تفهَم مَقصده، فَمِن ثم اقترب منها لِيُعَبِّر لها عَن رِضاه وسعادته فحَلَّق على مَقرِبَةٍ أمام وجهها فَيُحَرِّك عنقه لإلقاء التحيّة، فأدهشتها حركات هذا الطائر! وتمنَّت لو أنها تفهم لغته لِتعلَم ما يُريد، فمِنّ ثمَّ انطلق مُتَّجِهًا نحو بِلاد الشَّام إلى نبيّ الله سُليمان ليُعَلِّمه بالتقرير الشامِل والكامِل عن مملكة سبأ العُظمى، فحَضر إلى مَجلِس سُليمان الاستشاريّ فقال له نبي الله سليمان: أين كُنت غائِبًا دون إذنٍ مِنّي؟ فَرَد الهُدهد: {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴿٢٢﴾} [سورة النمل].
فقال له نبي الله سُليمان هات ما لديك، فقال الهُدهد: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴿٢٣﴾ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٢٤﴾ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿٢٥﴾ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۩ ﴿٢٦﴾} [سورة النمل].
فقال نبيّ الله سُليمان: { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٧﴾ اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿٢٨﴾} صدق الله العظيم [سورة النمل].
ثم عاود الرِّحلة مُجَدَّدًا بِكتاب نبيّ الله سُليمان، فراقَب المَلِكَة حين تذهب إلى معبدها لتعبُد الشمس فَمِن ثمَّ باشرها بنفس الحركات في الرِّحلة الأولى، فيقف أمام وجهها ليمنعها مِن عبادتها للشمس؛ نفس ما فعل معها في رحلته الأُولَى، فكُلَّما أرادت أن تسجُد للشمس حال بينها وبين الشمس في الشُّباك المُرتَفِع عَن قامتها قَليلًا ولذلك لم تَكُن تَرَ أنه أحضر معه هذه المَرَّة كِتابًا بَل أصَرّ على منعها لعبادتها للشمس، فهنا أجبرها على الاستمرار بالتَّفَكُر باستخدام العقل كما أجبر نبيّ الله إبراهيم قومه على استخدام العقل بعد أن حَطَّم أصنامهم. وحتى لا نخرج عن الموضوع، فَجلست على كُرسي في المَعبَد لتتفكَّر في حركات الطائر فقالت في نفسها: "تالله إنَّ هذا الطّائر لَيراني وقومي على ضلالٍ مُبينٍ بعبادة الشَّمس"، فتمنَّت لو أنها تفطن لغته لتعلم ما يُريد أن تعبُد، كونها أليمة في نفسها وترى أنَّ المفروض أنَّ الله رَب العالَمين هو الأحق بِعبادة العبيد، وحتى إذا شاهدها الهُدهد أطرقَت في التفكير كما أطرَق قوم نبي الله إبراهيم، ثم استغَلَّ الفُرصة فألقى إليها رسالة نبيّ الله سُليمان، فسرعان ما باشرت قراءتها فوجدت أول كلمة مَكتوبة: "بِسم الله الرَّحمَن الرَّحيم إنَّه مِن نبي الله سليمان أن لا تعلوا علَيَّ وأتوني مُسلمين لله رَبّ العالمين واعبدوا الله وحده لا شريك له فلا تظلموا أنفسكم بعِبادة الشَّمس مِن دون الله". فَمِن ثمّ مُباشَرَةً فاضت عيناها مِمَّا عَرِفت مِن الحَقّ الذي أقرّه عقلها مِن قبل أن يأتيها كتاب نبيّ الله سليمان، وإنما أراد الله أن يطمئن قلبها بِما أشار عليها عقلها الرَّشيد فقالت: "أشهُد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شَريك وأسلمت مع سُليمان لله رَب العالَمين" مِن قَبْل أن ترى نبي الله سُليمان، فأصبحت مِن الموقنين وعرفت الله رَبّها ونَوَّر الله بصيرتها تصديقًا لوعد الله في مُحكَم كتابه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾} صدق الله العظيم [سورة العنكبوت].
ولَكِن بقيت لديها مُشكلة كُبرى وهي: كيف تهدي قومها وتُكفَى شَرّهم؟ فكتمَت إسلامها لِرَبّ العالَمين، فدعت أعِزَّة قومها العُظماء (المجلس الاستشاري) كونها تستخدم منهَج الأنبياء (وشاورهم في الأمر) مِن رَجاحة عقلها: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿٣٤﴾ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿٣٥﴾} [سورة النمل].
فقالوا وما هي الهديّة؟ فأخبرتهم أنَّها قَرَّرت أن تختبر نبيّ الله بأطنان سبائك الذَّهب فقالت: "فإن كان مِن مُلوك الأرض فسوف يقبلها ونَتَّخِذه صَديقًا وحَليفًا لَنا فنزداد قُوَّةً إلى قُوَّتنا ونكتفي شَرّه ونَكفيه شَرَّنا بَدَلًا عَن القِتال وسَفْك الدِّماء، وأمَّا إن كان نبيًّا مُصطفىَ مِن رَبّ العالَمين فلن نشتري مبدأ دعوته بِجَبَلٍ مِن ذهب". فقالوا أعِزَّة قومها في المجلس الاستشاريّ: "وهو كذلك". فقالت: "بَل نَتَّفِق مِن الآن لئن رُدت إلينا هديتنا فأسلمنا مع سليمان لله رَبّ العالَمين، ألا ترونها هَدية مُغريّة؟!". فقالوا: "حتمًا سيقبلها فنكتفي شَرّه ونكفيه شَرّنا ونتَّخِذه حَليفًا لنا؛ وافقناكِ الرَّأي". فأصرَّت المَلِكة أنَّه إذا لم يقبلها أن نُسلِم لرَبّ العالمين فقالوا: "بل سوف يقبلها". فقالت: "بَل نتفِق مِن الآن". فقالوا: "وهو كَذلِك، فنحن ناظِرين معك بِمَ يَرجِع المُرسَلون". فانطلَق الرُّسل إلى نبيّ الله سُليمان بالهديّة التاريخيّة بِقافِلة مِن الجِمال مُحَمَّلة بالسَّبائك الذهبيَّة، فلمَّا جاء قائد قافلة الهديّة الذهبيّة فوصلوا إلى نبيّ الله؛ وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴿٣٦﴾ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [سورة النمل].
كَون رفع ظُلم الإنسان عَن أخيه الإنسان أمرًا جبريًّا، وأمَّا الدِّين فلا إكراه في الدِّين. ثُمَّ عادوا بهَديتهم إلى مَلِكتهم ثم تَمَّ تنفيذ ما اتَّفقت بِه مع قومها في حالة أن رُدت هديتهم لهم: أن يُسلِموا مع سليمان لله رَبّ العالَمين. فأقامت ملكتهم الحُجَّة عليهم بهذا الشرط فأسلموا مع المَلِكة مَع سُليمان لله رَبّ العالَمين، فسُرَّ طائر الهُدهد كثيرًا حين سمعهم أسلَموا لله رَبّ العالَمين، فانطلَق بالبُشرى لنبيّ الله سُليمان لِعِدَّة أيَّامٍ وهو يطير، ولا يكاد أن يأخُذ قِسطًا مِن الراحة إلَّا قليلًا ليأكل له مِن الثَّمرات، فَوصَل إلى نبيّ الله سُليمان فأخبره أنهم أسلَموا مع مَلِكتهم لله رَبّ العالمين، فَمِن ثمَّ عَقَد نبيّ الله سُليمان مجلسه الاستشاريّ مِن الجِنّ والإنس: {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٤١﴾} [سورة النمل].
وأراد أن يختبر إيمانها: هل سوف تُصَدِّق بمعجزةِ إحضار عرشها الذي تركته مُحَصَّنًا في قَصْر مَجلِس الشورى مُغلقة عليه الأبواب؟ أم أنَّها سوف تُفتَتَن فَتَتَّهِم سُليمان أنَّه ساحِرٌ يُخَيِّلُ إليها عرشها فتكون مِن الذين لا يهتدون مِن الذين لا يُفَرِّقون بين السِّحر والمُعجِزة؟ وحتى تتجرأ فتقترِب مِن عرشها لتُلامسه بأيديها ولذلك خَفَّف سُليمان عليها الفِتنة فقال: "نَكِّروا لها عَرشها لننظُر أتَهتَدي فَتُصَدِّق أنَّه تَمّ إحضاره بِمُعجِزَةٍ مِن رَبِّ العالَمين فتكون مِن الموقنين". وقال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿٤٢﴾} [سورة: النمل].
والسُّؤال الذي يطرح نفسه: فما الدَّاعي لهذا الجواب الكبير والإقرار مِن سليمان بِعلمها فهي فقط قالت: "كأنَّه هو"؟ والجواب كَما سَبق شرحه في بيانٍ قَديمٍ أنَّها غمزَت لنبيّ الله سُليمان ليفهَم أنَّه هو، فقد شاهدت العَرْش حين اقتربت مِنه؛ فشاهدت أنَّه تَمَّت إزالة فُصوص الألماس المَنقوش به اسمها على العَرْش وشاهدت أمكِنةً في الفُصوص المنحوتة على العَرْش (إنَّما أُزيلَت فُصوص اسمها)، فعَرِفَت أنه هو عرشها تَم إحضاره بمعجزةٍ مِن الله مزيدًا من البرهان لِما يدعو إليه، فاستدارت على العَرش فَتَلمَّست مواقع الفُصوص لتتأكَّد بالملمَس أنَّها أماكِن فُصوص اسمها ثم جعلت ظهرها باتجاه وَفْد قومها، ووجهها جِهة سُليمان، فرَمشت بعينها فقالت: "كأنه هو". وإنَّما غمزت لنبيّ الله سُليمان أن يفهم أنَّه هو ويفهَم أنها لا تريد أن تُقِرّ أنّه هو خَشية أن يُفتتَن قومها فيظنوا سُليمان ساحِرًا يُخَيِّل إليهم عَرشها، فَعلِم نَبيّ الله ما تقصده مِن غمزة عَينها مع قولها: "كأنه هو"، فعلِم ما تقصد ثم شَهد في نفسه لها بعِلم معرفة الله الحَقّ ولذلك قال نبي الله سليمان في نفسه مُقِرًّا بِعلمها؛ وقال الله تعالى:
{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿٤٢﴾} صدق الله العظيم [سورة النمل].
وقال الله تعالى:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [سورة الرعد]
وكُنَّا نُريده مُجرَّد تعليقٍ ولكنّه أصبح بيانًا؛ مَزيدٌ مِن التّفصيلِ وإلى الله تُرجَع الأمور.
فدَعوا البيان هذا ها هُنا إلى حين وتسجيل مُتابعةٍ.. دَردشة مع أحِبّتي في الله الأنصار السّابقين الأخيار والباحثين مِن أُولي الألباب.
واعلَموا أنّي لا أقُصُّ عليكم قصَصَ القرآن مِن عندِ نفسي؛ بل أستنبِط عِلمي مِن القرآن العظيم بالبُرهانِ؛ بَسطة بُرهان الخلافة على مَلَكوتِ العالَمين بالبيانِ الحقِّ للقرآن العظيم.
وأقول: «اللهم إنَّهم تعالَوا عَلَيَّ ورفضوا اختياركَ لخليفتِك سُبحانك فلا تُشرِكُ في حُكمِكَ أحدًا؛ اللهمّ فأخضِع أعناق المُعرِضين بآيات جُنود كوفيد الشَّديد مِن لدُنكَ، اللهمّ وارفع مِعيار حَربِكَ الكونيّة والكورونيّة، اللهم واهدِ مِن عبادِك الذين لو علِموا الحَقّ لاتَّبَعوه، أليسَ الله أعلم بالشّاكرين».
وسَلامٌ على المُرسَلين؛ والحَمدُ لله رَبّ العالَمين..
خليفة الله على مَلَكوت العالَمين؛ الإمام المهديّ ناصِر مُحَمَّد اليمانيّ.
________________