( رد الإمام المهديّ إلى حسن الشيعي )
- 1 -
الإمام ناصر محمد اليماني
23 - 09 - 1433 هـ
11 - 08 - 2012 مـ
09:35 صباحاً
[ لمتابعة رابط المشاركـــــــــــة الأصليِّة للبيـــــــــــــــان ]
https://albushra-islamia.org./showthread.php?p=55440
ـــــــــــــــــــ
يا عباد الله قد بعث الله الإمام المهديّ ليعلمكم عن سرِّ تحقيق الشفاعة ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجميع المسلمين إلى يوم الدين، أمّا بعد..
وأنا الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني أرحب بفضيلة الشيخ الكريم حسن الشيعي وجميع الوافدين إلى طاولة الحوار العالميّة للمهديّ المنتظَر من قبل الظهور، ومن بعد التصديق نظهر للبيعة العامة عند البيت العتيق.
ويا حسن الشيعي لا تفتري علينا ما لم نقصده، ويا أخي الكريم، أَفْرُكُ بنعلي قدمي أحاديثَ وروايات الباطل جميعاً، وأمّا الأحاديث الحقّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدرجة يقيني بها كمثل درجة يقيني بالقرآن العظيم.
وأشهد لله أني الإمام المهديّ المؤمن بكتاب الله والسُّنة النّبويّة الحقّ نور على نور، ولا أفرّق بين حديث الله وحديث رسوله وإنما أكذّب بما ورد إنّه عن رسوله في السنّة ومن ثم أجده مخالفاً لحديث الله في محكم القرآن العظيم، ومن ثم أعلمُ عِلْمَ اليقين أن هذا حديث مفترًى على رسوله ولم يقُله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا صحابته الأخيار، وإنما افترى عليهم جميعاً قومٌ آخرون.
ويا حسن الشيعي، إني الإمام المهديّ المنتظَر الإمام الثاني عشر من آل البيت المطهّر لم يجعلني من الشيعة الاثني عشر ولم يجعلني من أهل السنّة والجماعة ولا أنتمي إلى أيٍ من أحزاب المذاهب، وأعلن الكفر بالتعدديّة المذهبيّة في دين الله؛ بل حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، أدعو العباد إلى الخروج من عبادة العباد إلى عبادة الربّ المعبود وحده لا شريك له في العبادة والدعاء، فلا أدعو مع الله أحداً أن يشفع لي عند ربي، وأعوذ بالله أن أكون من المشركين من الذين يعتقدون بشفاعة العبيد للعبيد بين يدي الربّ المعبود.
ويا شيخ حسن الشيعي، والله الذي لا إله غيره لا تستطيع أن تهيمن على الإمام المهديّ من القرآن العظيم سواء من محكمه أو متشابهه فإنّي به عليم، وأهدي بالقرآن إلى صراطٍ مستقيم صراط العزيز الحميد ربي وربكم فاعبدوه وحده لا شريك له، فلا تشركوا معه في الدعاء أحداً من عباده. تصديقاً لقول الله تعالى: {فلا تَدْعوا معَ اللهِ أحدًا} صدق الله العظيم [الجن:18].
ويا حسن الشيعي، اتّبعوني أهدكم بالقرآن المجيد إلى صراط العزيز الحميد وأجاهدكم بمحكم القرآن العظيم جهاداً كبيراً حتى تقدِّروا ربّكم حقّ قدرِه، فتعلمون أنّ الله هو أرحم الراحمين، وأن ليس لكم إلا أن يرحمكم الله برحمته فتستغنون برحمة الله وحده ولا ترجون من دونه وليّاً ولا نبيّاً ليشفع لكم عند الله، وتلك دعوة الأنبياء والمهديّ المنتظَر ابتعثنا الله لننذر البشر أن يكفروا بعقيدة شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود ونأمرهم بالعقيدة الحقّ بأنّ ليس لهم من دون رحمته وليٌّ ولا شفيعٌ عند أرحم الرحمين، سبحانه عمَّا يشركون وتعالى علواً كبيراً! وإنما أنا المهديّ المنتظَر أنذركم من عقيدة شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} صدق الله العظيم [الأنعام:51]، أي وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم أن يعتقدوا أنْ ليس لهم إلا أنْ يرحمهم برحمته، وأنْ ليس لهم من دونه وليٌ ولا نبيّ ليشفع لهم بين يديه، سبحانه عمّا يشركون وتعالى علواً كبيراً!
ويا حسن الشيعي، إنّ تحقيق شفاعة الله لعباده ليس كما تزعمون، وتالله لا أعلم بعبدٍ يجرُؤ بين يدي الله في السماوات والأرض لطلب الشفاعة لأحدٍ من عباد الله. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} صدق الله العظيم[يونس:18].
كون عقيدة شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود شركٌ بالله، ولذلك قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} صدق الله العظيم[يونس:18].
فاتقوا الله فضيلة الشيخ حسن الشيعي، واستجيبوا لما يحييكم خيرٌ لكم، واعتصموا بمحكم الكتاب في نفي شفاعة العبيد للعبيد بين يدي الربّ المعبود؛ وكل ما في السماوات والأرض عبيدٌ لله وهو الربّ المعبود سبحانه وتعالى، وأمّا الذين يأذن الله لهم بتحقيق الشفاعة في نفس الله فإنهم لن يسألوا الشفاعة من الله لأحدٍ من عباده، وما ينبغي لهم! كونهم ليسوا بأرحم من الله بعباده، وإنما أذِن الله لهم بالخطاب كونهم سوف ينطقون بالقول الصواب فيطلبون من ربهم أن يحقق لهم النعيم الأعظم من جنّته ويرضى، فإذا تحقق رضوان الله على عباده تحققت شفاعة الله لعباده.
ولربّما يودّ أحد السائلين أن يقول: "يا ناصر محمد، وكيف يشفع الله سبحانه؟". ومن ثم يردّ عليه الإمام المهديّ وأقول: إنما الشفاعة لله فتشفع رحمته من عذابه. تصديقاً لقول الله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} صدق الله العظيم [الزمر:44].
ولكن سبب تحقيق الشفاعة في نفس الله جعله الله بسبب عباده المكرمين الذين يحاجّون ربّهم في تحقيق النعيم الأعظم من جنّته، كونّهم يحقّ ذلك للذين اتخذوا رضوان الله غاية وليس وسيلة لتحقيق الجنّة، فكيف يرضيهم الله حتى يرضى؟ فإذا تحقق رضوان نفسِه تحققت الشفاعة في نفس الله فشفع لهم رحمته من عذابه. تصديقاً لقول الله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} صدق الله العظيم [الزمر:44].
ولن يجرؤ عبدٌ في ملكوت السماوات والأرض أن يخاطب الله في عباده الذين ظلموا أنفسهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} صدق الله العظيم [النساء:109].
فمن يجرؤ؟ ولن يجرؤ عبدٌ بين يدي الربّ المعبود أن يجادل الله ربّه أن يُشَفِّعَهُ في أحدٍ من عباده، ولكن عباد الله المكرمين يحقّ لهم أن يجادلوا ربهم جدالاً كبيراً أن يحقق لهم النعيم الأعظم من جنّته، كونهم اتّخذوا رضوان الرحمن غايةً، كون رضوان الله هو النعيم الأعظم من جنّته. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} صدق الله العظيم [التوبة:72].
ونستنبط من ذلك أنّ رضوان الله على عباده هو النعيم الأعظم من جنّته، فكيف نتخذ رضوان الله النعيم الأعظم وسيلةً لتحقيق نعيم الجنّة الأصغر حتى ولو لم يكن علينا في ذلك وزراً؟ ولكن الحكمة من خلق الله عبيدَه هو أن يعبدوا الله وحده لا شريك له فيتخذوا رضوان الله غاية، ولم يحرّم عليهم أن يتخذوا رضوان الله وسيلةً بسبب عزّة نفسه تعالى إذ جعل الجنّة لمن شكر والنار لمن كفر، فاتخذوا رضوان الله وسيلةَ ليزحزحهم عن ناره ويدخلهم جنّته، فشكر الله لهم وغفر لهم ورضي عنهم، ولكنه لم يتحقق رضوان الله؛ نَفْس الله، فهو لا يزال حزيناً ومتحسراً في نفسه على عباده النادمين المُعذّبين من الذين يتحسرون على ما فرّطوا في جنب ربهم.
ويا حبيبي في الله حسن الشيعي، والله لا أستطيع هُداكم حتى تؤمنوا أنّ الله أرحم الراحمين، ولربما يستعجب حبيبي حسن فيقول: "ويا ناصر محمد، إنَّ جميع المسلمين على مختلف مذاهبهم وفرقهم ليؤمنوا أنّ الله هو أرحم الراحمين". ومن ثم يهيمن عليهم الإمام المهديّ بسلطان العلم وأقول: إذا فكيف تلتمسون رحمة الشفعاء بين يدي من هو أرحم بكم من آباءكم وأمهاتكم الله أرحم الراحمين؟ سبحانه عمَّا يشركون وتعالى علوَّا كبيراً!
ويا حسن الشيعي، إنَّ صفة الرحمة في نفس الرحماء من عبيده ليست إلا جزءٌ بسيطٌ من رحمة الله أرحم الراحمين، فمِنْ عبيدِه بعبيدِه لرؤوفٌ رحيمٌ، فما بالكم بالله الرؤوف الرحيم! فإن الفرق جَدُّ عظيم، ولا مجال للمقارنة بين رحمة حسن الشيعي بولده وبين رحمة الله أرحم الراحمين.
ويا حسن، فلو أنّ ولدك عصاك ألف عامٍ لم يطع لك أمراً، ومن ثم رأيته يصطرخ في نار جهنم ولا قدّر الله، فيقول: "يا ليتني ما عصيت أبتي"، فتصوّر يا حسن كم مدى الحسرة في نفسك على ولدك كونك علمت أنه قد أصبح من النادمين، فما بالك بحسرة من هو أرحم بولدك منك الله أرحم الراحمين؟
ولربما يود حسن أن يقول: "وهل الله سبحانه يتحسر على عباده الذين ظلموا أنفسهم فأصبحوا من النادمين؟". ومن ثم نترك الجواب من الربّ إليكم في محكم الكتاب:
{إنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)} صدق الله العظيم [يس].
فإذا كان حبيبي في الله حسن من قومٍ يحبّهم الله ويحبّونه فحتماً سوف يتوقف هنا برهةً للتفكير فيقول: "يا ربّ فماذا أبغي من جنّتك وأعنابها وحورها وقصورها وأحبُّ شيء إلى نفسي متحسرٌ وحزينٌ على عباده الضالين الذين ظلموا أنفسهم؟! هيهات هيهات أن أرضى بنعيم جنّتك ربّي حتى ترضى لا متحسراً ولا حزيناً". فكن من الوفد المكرمين يا حسن، فهل ترضى بنعيم الجنّة وحبيبك ربّك لا يزال متحسراً وحزيناً على عباده بسبب عظيم الرحمة في نفس الله أرحم الراحمين؟ فماذا تبغون يا عباد الله بملكوت الدنيا والآخرة ما لم يكن الله سعيداً وفرحاناً مسروراً؟
وربما يودّ أحد المسلمين أن يقول: "وكيف نسعى لتحقيق الفرحة في نفس الربِّ؟". ومن ثم يردُّ عليهم صاحب علم الكتاب وأقول: فلتسعَ إلى أن تهدي عباده واصبر على أذاهم ولا تدعو عليهم حتى يهتدون، فإذا أنابوا إلى ربهم فسوف يهدي قلوبهم فيتوبون إلى ربهم، حتى إذا تابوا إلى ربهم حلَّت الفرحة في نفس الله كونه لا يرضى لعباده الكفر بل يرضى لهم الشكر ولا يريد أن يعذبهم الله، وما يفعل الله بعذابهم؟ ولذلك تتحقق الفرحة في نفس الله بتوبة عباده كما وصف لكم ذلك جدّي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
[ لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وان ربك. أخطأ من شدة الفرح ].
صدق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأقول يا معشر الذين يحبّون الله، فانظروا لعظيم فرحة الله بتوبة عباده إليه برغم أنّه لم يعذبهم وتابوا قبل موتهم، فما بالكم بحزن الله على المعذبين ومدى حسرته عليهم؟ فمن كان يحبّ الله ويهمّه فرح الله وحزنه وحسرته فاتبعوني لتحقيق هداية الأمّة كلها فنجاهدهم بالقرآن العظيم جهاداً كبيراً حتى يتحقق هدى الأمّة كلها، ما عدى شياطين الجنّ والإنس الذين لو علموا أنّ ناصر محمد اليماني هو المهديّ المنتظَر فتسوء وجوههم ببعث المهديّ المنتظر، كونهم علموا أنّ الله سوف يُتِمّ به نوره ولو كره المجرمون ظهوره.
ويا عباد الله قد بعث الله الإمام المهديّ ليعلمكم عن سرِّ تحقيق الشفاعة، ألا والله ما كان يحيط بسرّها أنبياء الله ورسله، وكان نبيّ الله نوح -عليه الصلاة والسلام- يظنّ إنّ الذي يأذن الله له بالشفاعة لأهله وولده أنّ يتقدم بين يدي ربه بطلب الدعاء أن يشفِّعَه في ولده، ولذلك تقدم نبيّ الله نوح -عليه الصلاة والسلام- بطلب سؤال الشفاعة لولده من عذاب الله. وقال نبيّ الله نوح عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴿٤٥﴾قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٤٦﴾} صدق الله العظيم [هود].
والسؤال الذي يطرح نفسه: فماذا سأل نبيّ الله نوح من ربه عليه الصلاة والسلام؟ والجواب من محكم الكتاب: {ربّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}، فهو قد طلب من ربِّه أن يُشَفِّعَهُ في ولده فينقذه من عذابه ظناً من نوح -عليه الصلاة والسلام- أنّ شفاعة العبد بين يدي ربِّه تكون بهذه الطريقة، ولذلك قال الله تعالى: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم. وهنا أدرك نوح أنّه أخطأ في سؤاله بطلب الشفاعة لولده من عذاب الله، وعلم أنّ تحقيق الشفاعة ليست بهذه الطريقة، ولذلك جَثَمَ نبيّ الله نوح -عليه الصلاة والسلام- على ركبتيه بين يدي ربه، وقال: {ربّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ(47)} صدق الله العظيم [هود].
ويا عباد الله، قد بيّن الله لأوّل رسول من الله أنّه لا ينبغي لعبدٍ أن يطلب الشفاعة لأيٍ من عباد الله. وعلّم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنّ لتحقيق الشفاعة سرّاً، ولم يحيطوا بعلمه كون سرُّ الشفاعة متعلقٌ بسرّ اسم الله الأعظم.
وأراد الله أن يطهّر عقيدة نبيّ الله نوح من المعتقد الخاطئ كما أراد أن يطهّر عقيدة نبيّ الله موسى من المعتقد الخاطئ برؤية الله جهرة. وقال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ ربّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم [الأعراف:143].
فتجدون نبيّ الله موسى -عليه الصلاة والسلام- أدرك العقيدة الخطأ برؤية الله جهرةً، ومن ثم تاب إلى ربّه من عقيدة رؤية الله جهرة وأناب، وقال: {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم.
فاصلح الله عقيدة نبيّه موسى كونه قد كان لديه معتقد خطأٌ وهو إمكانية رؤية الله جهرةً، سبحانه وتعالى علواً كبيراً! ولكنّ لا يتحمل رؤية عظمة ذات الله إلا شيء يساويه في عظمة ذاته سبحانه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير!
وأراد الله أن يضرب لموسى وقومه -عليه الصلاة والسلام- مثلاً على الواقع عن سبب عدم رؤية الله جهرة كونه لا يتحمل رؤية عظمة ذات الله شيء حتى الجبل العظيم، فما بالك بالإنسان الضعيف؟ إلا أن يستقر الجبل مكانه فيتحمل رؤية عظمة ذات الله فهنا سوف يرى ربَّه موسى، كون الله قادر أن يجعل قوة نبيّه موسى كمثل قوة الجبل فيثبت أمام رؤية عظمة ذات الله، وهذا لو ثبت الجبل راسخاً مكانه أمام رؤية عظمة ذات الله. ولذلك قال الله تعالى: {قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} صدق الله العظيم.
إذاً عقيدة رؤية الله جهرةً متوقفةً على ثبوت الجبل أمام رؤية عظمة ذات الله، كونه إذا ثبت الجبل فالله قادرٌ أن يؤتي عباده الصالحين قوة الجبال ليتحملوا رؤية عظمة ذات ربهم، فتعالوا ننظر ماذا حدث للجبل من بعد التجلّي لذات الربّ سبحانه وتعالى، فقال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم، ومن ثم طهّر الله عقيدة نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام، فاستبدل عقيدة رؤية الله جهرة بالعقيدة الحق: (عدم رؤية ذات الله جهرة سبحانه وتعالى)، فتاب نبيّ الله موسى من المعتقد الخاطئ إلى المعتقد الحقّ، فقال: {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم، أي: تبتُ من عقيدة رؤية ذات الله جهرة سبحانه. كونه كان يعتقد كمثل قومه بأنّه يمكن رؤية الله جهرةً في الدنيا أو في الآخرة، ولكنه تعلّم درساً لا ينساه وموعظة للمتقين.
وربما يفرح حسن الشيعي فيقول: "يا ناصر محمد، الحمد لله فمعتقدنا نحن الشيعة على الحقِّ في عدم رؤية الله جهرة، فعقيدتنا في رؤية الله على عكس عقيدة أهل السنّة والجماعة، كونهم يعتقدون برؤية الله جهرةً". ومن ثم يردّ عليهم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: إنما ابتعثني الله حكماً بينكم بالحقّ، فإن وافقتْ عقيدة المهديّ المنتظَر عقيدة الشيعة الاثني عشر في عدم رؤية الله جهرة سبحانه ولكنّي أخالفكم إلى العقيدة الحقّ في عدم شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود. ومعشر الشيعة يدعون المهديّ المنتظَر وأئمة آل البيت أن يشفعوا لهم عند ربهم وهم لا يسمعونكم، ولو سمعوا دعاءكم ما استجابوا لكم وما يتجرَّؤون، كون دعاؤكم لهم بالشفاعة شرك بالله، ولذلك قال الله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} صدق الله العظيم [فاطر:14].
بل سيكفرون بدعائكم فيقولون: "إنا كنّا عن دعائكم لغافلين، ولو علمنا أنكم تدعوننا مع الله لنهيناكم عن ذلك، ولكننا لم نسمع دعاءكم من بعد موتنا". وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [يونس].
وكانوا عليهم ضداً. وقال الله تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)} صدق الله العظيم [مريم].
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴿٥﴾وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [الأحقاف].
وألقى الله بالسؤال إلى أنبيائه ورسله وأئمة الكتاب: فهل وعدتم هؤلاء بالشفاعة بين يدي ربّكم فأضللتموهم عن السبيل؟ وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان:17].
فكان جوابهم: {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴿١٨﴾ فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴿١٩﴾ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴿٢٠﴾} صدق الله العظيم [الفرقان].
كون الأنبياء وعظوا أصحاب عقيدة شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود. وقال الله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} صدق الله العظيم [الأنعام:51].
فكيف ينفي الله شفاعة الأنبياء والأولياء الصالحين بين يدي الله وأنذركم الله في محكم كتابه عن عقيدة شفاعة العبيد بين يدي الربّ المعبود وأمركم أن تعتقدوا بالعقيدة الحقّ أن ليس لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ فتعتقدون أنّ ليس لكم إلا رحمة الله فيقيكم ناره برحمته ويدخلكم جنّته برحمته، فمن ذا الذي هو أرحم بكم من الله أرحم الراحمين! أفلا تتقون؟
وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين..
خليفة الله وعبده؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــــ